فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

والجمهور على ضم الرَّاء في {يَأْمُرُكم}؛ لأنه مضارع معرب مُجَرّد عن ناصب وجازم، وروي عن أبي عمرو سكونها سكونًا محضًا، واختلاس الحركة، وذلك لتوالي الحركات، لأن الراء حرف تكرير، فكأنها حرفان، وحركتها حركتان.
وقيل: شبَّهها بعَضْد فَسُكِّن أوسطه إجراء للمنفصل مجرى المتصلن وهذا كما تقدم في قراءة {بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] وقد تقدم ذكر من استضعفها من النُّحَاة، وتقدّم ذكر الأجوبة عنه.
ويجوز إبدال همزة {يَأمُرُكمْ} ألفًا، وهذا مطرد.
و{يأمركم} هذه الجُمْلة في محلّ رفع خبر ل {إن}، و{إن} وما في حيّزها في محلّ نصب مفعولًا بالقول، والقول وما في حيّزه في محلّ جرّ بإضافة الظرف إليه، والظرف معمول لفعل محذوف أى: اذكر.
قوله: {أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} أن وما حيّزها مفعول ثانِ ل {يأمركم}، فموضعها يجوز أن يكون نصبًا، وأن يكون جرَّا على ما مضى من الخلاف، لأن الأصل على إسقاط حرف الجر أي بأن تَذْبَحُوا، يجوز أن يوافق الخليل هنا على أن موضعها نصب؛ لأن هذا الفعل يجوز حذف الباء معه، ولو لم تكن الباء في {أن} نحو: أمرتكم الخير.
والبقرة واحدة البقر، تقع على الذّكر والأنثى نحو: حَمَامة، والصِّفة تميز الذّكر من الأنثى، تقول: بقرة ذكر، وبقرة أنثى.
وقيل: بقرة اسم للأنثى خاصّة من هذا الجنس مقابل الثور، نحو: نَاقَة وجَمَل، وأَتَان وحِمَار.
وسمي هذا الجنس بذلك، لأنه يَبْقُر الأرض، أي: يشقّها بالحرث، ومنه: بَقَرَ بطنه، والباقر أبو جعفر، لشقِّه العلم، والجمع بَقَر وَبَاقِر وَبَيْقُور وَبَقِير.
والبَقِيرة: ثوب يشقّ فتلقيه المرأة في عنقها من غير كُمَّين.
قوله: {أَتتَّخِذُنَا هُزوًا} المفعول الثاني ل {أتتخذنا} هو {هُزوًا}، وفي وقوع {هزوًا} مفعولًا ثانيًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه على حَذْف مضاف، أي: ذوي هزء.
الثاني: أنه مصدر واقع المفعول به، أي مهزوءًا بنا.
الثالث: أنهم جعلوا نفس الهزء مُبَالغة.
وهذا أولى.
وقال الزمخشري: وبدأ بأَتَجْعَلُنَا مكان هُزْءٍ، وهو قريب من هذا.
وفي {هزوًا} ستّ قراءات، المشهور منها ثلاث: {هُزُؤًا} بضمتين مع الهمز، و{هُزْءًا} بسكون الزَّاي مع الهمز وصلًا، وهي قراءة حمزة رحمه الله، فإذا وقف أبدلها واوًا، وليس قياس تخفيفها، وإنما قياسه إلقاء حركتها على الساكن قبلها.
وإنما اتبع رسْمَ المصحف، فإنها رسمت فيه واو، ولذلك لم يُبْدِلها في جزءًا واوًا وقفًا لأنها لم تُرْسَم فيه واوًا كما سيأتين وقراءته أصلها الضم كقراءة الجماعة إلاّ أنه خُفِّفَ كقولهم في عنق: عُنْق.
وقيل: بل هي أصل بنفسها ليست مخففةً من ضم.
كى مكّي عن الأخفش عن عيسى بن عمر: كل اسم ثلاثي أوله مضموم يجوز فيه لغتانك التخفيف والتثقيل.
و{هُزُوًا} بضمتين مع الواو وصلًا ووفقًا، وهي قراءة حفص عن عاصم، كأنه أبدل الهمزة واوًا تخفيفًا، وهو قياس مطرد في كل همزة مفتوحة مضموم ما قبلها نحو: جُوَن في جُؤن، وحكم {كُفْوًا} في قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] حكم {هزوًا} في جميع ما تقدم قراءةً وتوجيهًا.
و{هزًا} بإلقاء حركة الهمزة على الزاي وحذفها، وهو أيضًا قياس مطرد.
و{هُزْوًا} بسكون العين مع الواو.
و{هُزًّا} بتشديد لزاي من غير همزة، ويروى عن أبي جعفر وتقدم معنى الهزء في أول سورة.
وقال الثعلبي في تفسيره: قرئ: {هُزُؤًّا} و{كُفُؤًّا} مثقلات ومهموزات، وهي قراءة أبي عمرو وأهل الشام والحجاز واختار الكسائي، وأبو عبيد، وأبو حاتم {هُوُزًّا} و{كُفُوًّا} مثقلات بغير همز قال: وكلّها لغات صحيحة فصيحة معناها: الاستهزاء.
قوله: {أَنْ أَكُونَ} أي من أن أكون، فيجيء فيه الخلاف المعروف.
و{مِنَ الْجَاهِلِيْنَ} خبرها، وهو أبلغ من قولك: أن أكون جاهلًا.
فإن المعنى أنّ انتظم في سلك قوم اتصفوا بالجهل. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الجهل:
وقد ورد في القرآن على خمسة عشر وجهًا:
الأَوّل: في ذكر آدم بحمل الأَمَانَة {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
الثانى: خطاب لنوح عليه السّلام أَن يحفظ رَقْم الجهالة على نفسه بدعوة الجَهَلة ودعائهم {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
الثالث: ذكر هود عليه السّلام قومه لمّا امتنعوا عن إِجابة الحقّ {وَلَاكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}.
الرّابع: استعاذة موسى بالحقّ عن ملابسة الجَهَلة {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وقال مرّة {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وقال يوسف: إِن لم تُبَذْرِقْنى بعصمتك أَصير من جملة الجُهَلاءِ {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} وقال تعالى: {إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} وخاطب نبيّه وحبيبه.
{فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قل يا محمّد لنسائك يَجْتَنِبْنَ من التَزييّ بزيّ الجهلاءِ {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} {فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} {وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ما صدر من العصاةِ من المعاصى فبسبب جهلهم {عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} ليكن جوابك لخطاب الجاهلين سلامًا طلبًا للسّلامة {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} {لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.
والجهل نقيض العلم، جهِله يَجْهَله جَهْلًا وجَهَالة.
وجَهِل عليه: أَظهر الجَهْل كتجاهل.
وهو جاهل.
والجمع جُهُل وجُهْل وجُهّل وجُهّال وجُهَلاءُ.
والجهل على ثلاثة أَضرب:
الأَول: خلوّ النَّفس من العِلْم، هذا هو الأَصل.
وقد جَعَل بعض المتَكَلِّمين الجهل معنًى مقتضيًا للأَفعال الخارجة عن النِّظام، كما جعل العِلْم معنًى مقتضيًا للأَفعال الجارية على النِّظام.
الثانى: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه.
الثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقَّه أَن يُفعل، سواءٌ اعتقد فيه اعتقادًا صحيحًا أَو فاسدًا كنت يترك الصّلاة عمدًا.
وعلى ذلك قوله: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
فجعل فعل الهُزُو جهلًا.
والجاهل يُذكر تارة على سبيل الذمّ وهو الأَكثر، وتارة لا على سبيل الذمّ نحو {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} أَى مَنْ لا يَعْرِف حالهم.
وليس المراد المتَّصف بالجهل المذموم.
والمَجْهل كَمَقْعد: الأَمر والأَرض والخَصْلة التي تحمل الإِنسان على الاعتقاد بالشيء بخلاف ما هو عليه.
واستجهلت الرّيح الغُصْن: حَرّكته كأَنها حملته على تعاطى الجهل.
وذلك استعارة حسنة.
والمَجْهلة: ما يحملك على الجهل.
والمِجْهَل والمِجْهلة- بكسر ميمهما- والْجَيْهَلُ والْجَيْهَلة: خَشَبة يُحَرّك بها الجَمْر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (68):

قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{قالوا} تماديًا في الغلظة {ادع لنا ربك} أي المحسن إليك فكان تخصيصهم له بالإضافة غاية في الجفاء {يبين} من التبيين وهو اقتطاع الشيء، والمعنى مما يلابسه ويداخله- قاله الحرالي.
والمراد المبالغة في البيان بما يفهمه صيغة التفعيل {لنا ما هي} تلك البقرة {قال إنه يقول}.
ولما كانوا يتعنتون أكد فقال: {إنها بقرة لا فارض} أي مسنة فرضت سنها أي قطعتها {ولا بكر} أي فتية صغيرة {عوان} أي نصف وهو خبر مبتدأ محذوف، وبين هذا الخبر بقوله: {بين ذلك} أي سني الفارض والبكر {فافعلوا ما تؤمرون} فإن الاعتراض على من يجب التسليم له كفر فلم يفعلوا بل سألوا بيان اللون بعد بيان السن بأن {قالوا ادع لنا ربك} تماديًا في الجفاء بعدم الاعتراف بالإحسان {يبين لنا ما لونها} بعد بيان سنها. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن القوم سألوا موسى عليه السلام عن أمور ثلاثة مما يتعلق بالبقرة:
السؤال الأول: ما حكى الله تعالى عنهم أنهم: {قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِيَ} فأجاب موسى عليه السلام بقوله: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ} واعلم أن في الآية أبحاثًا:
الأول: أنا إذا قلنا إن قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} يدل على الأمر بذبح بقرة معينة في نفسها غير مبين التعيين حسن موقع سؤالهم، لأن المأمور به لما كان مجملًا حسن الاستفسار والاستعلام.
أما على قول من يقول: إنه في أصل اللغة للعموم فلابد من بيان أنه ما الذي حملهم على هذا الاستفسار؟ وفيه وجوه:
أحدها: أن موسى عليه السلام لما أخبرهم بأنهم إذا ذبحوا البقرة وضربوا القتيل ببعضها صار حيًا تعجبوا من أمر تلك البقرة، وظنوا أن تلك البقرة التي يكون لها مثل هذه الخاصة لا تكون إلا بقرة معينة، فلا جرم استقصوا في السؤال عن وصفها كعصا موسى المخصوصة من بين سائر العصي بتلك الخواص، إلا أن القوم كانوا مخطئين في ذلك، لأن هذه الآية العجيبة ما كانت خاصية البقرة، بل كانت معجزة يظهرها الله تعالى على يد موسى عليه السلام.
وثانيها: لعل القوم أرادوا بقرة، أي بقرة كانت، إلا أن القاتل خاف من الفضيحة، فألقى الشبهة في التبيين وقال المأمور به بقرة معينة لا مطلق البقرة، لما وقعت المنازعة فيه، رجعوا عند ذلك إلى موسى.
وثالثها: أن الخطاب الأول وإن أفاد العموم إلا أن القوم أرادوا الاحتياط فيه، فسألوا طلبًا لمزيد البيان وإزالة لسائر الاحتمالات، إلا أن المصلحة تغيرت واقتضت الأمر بذبح البقرة المعينة.
البحث الثاني: أن سؤال {ما هي} طلب لتعريف الماهية والحقيقة، لأن {ما} سؤال، و{هي} إشارة إلى الحقيقة، فما هي لابد وأن يكون طلبًا للحقيقة وتعريف الماهية والحقيقة لا يكون إلا بذكر أجزائها ومقدماتها لا بذكر صفاتها الخارجة عن ماهيتها، ومعلوم أن وصف السن من الأمور الخارجة عن الماهية فوجب أن لا يكون هذا الجواب مطابقًا لهذا السؤال: والجواب عنه: أن الأمر وإن كان كما ذكرتم لكن قرينة الحال تدل على أنه ما كان مقصودهم من قولهم: ما البقر طلب ماهيته وشرح حقيقته بل كان مقصودهم طلب الصفات التي بسببها يتميز بعض البقر عن بعض، فلهذا حسن ذكر الصفات الخارجة جوابًا عن هذا السؤال.
البحث الثالث: قال صاحب (الكشاف): الفارض المسنة وسميت فارضًا لأنها فرضت سنها، أي قطعتها وبلغت آخرها، والبكر: الفتية والعوان النصف، قال القاضي: أما البكر، فقيل: إنها الصغيرة وقيل ما لم تلد، وقيل: إنها التي ولدت مرة واحدة، قال المفضل بن سلمة الضبي: إنه ذكر في الفارض أنها المسنة وفي البكر أنها الشابة وهي من النساء التي لم توطأ ومن الإبل التي وضعت بطنًا واحدًا.
قال القفال: البكر يدل على الأول ومنه الباكورة لأول الثمر ومنه بكرة النهار ويقال: بكرت عليهما البارحة إذا جاء في أول الليل، وكأن الأظهر أنها هي التي لم تلد لأن المعروف من اسم البكر من الإناث في بني آدم ما لم ينز عليها الفحل، وقال بعضهم: العوان التي ولدت بطنًا بعد بطن.
وحرب عوان: إذا كانت حربًا قد قوتل فيها مرة بعد مرة، وحاجة عوان: إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة.
البحث الرابع: احتج العلماء بقوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} على جواز الاجتهاد واستعمال غالب الظن في الأحكام إذ لا يعلم أنها بين الفارض والبكر إلا من طريق الاجتهاد وههنا سؤالان:
الأول: لفظة {بين} تقتضي شيئين فصاعدًا فمن أين جاز دخوله على ذلك؟ الجواب: لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشارًا به إلى ما ذكر من الفارض والبكر.
السؤال الثاني: كيف جاز أن يشار بلفظه: ذلك إلى مؤنثين مع أنه للإشارة إلى واحد مذكر؟ الجواب: جاز ذكر ذلك على تأويل ما ذكر أو ما تقدم للاختصار في الكلام. اهـ.